مَلْـحـَمـَةُ الشــَّام

مَلْـحـَمـَةُ الشــَّام
لفضيلة الشيخ
سفر بن عبدالرحمن الحوالي

أم يحجب الطيف أسوار وجدران
للظلم من حولـه سوط وسجان
من حرقة الوجد فالأكباد نيران
في الأفق بارقة تخبو وتزدان
هوى إليه هوى وانساب ألحان
فالدهر ذو دولة والوصل ميان
بكل جرح مرارات وأشطان
لا ترتوى فالجوى باليأس حران
وفي العشية آهات وأشجان
طارت إليكم مع الأرواح أبدان
منكم إذا سامر المشتاق ندمان
عنكم صبابتنا أو ضل وجدان
وهل تداوى بغير الذكر ولهان
حيث الأسى راتع واليأس حيران
وربما خفتت بالشوق أحزان
رغم القيود أما قد قال حسان :
الأزد نسبتنا والماء غسان ]
عهد الوصال فهل للهيض جبران

وللمقادير إيلاف وإظعان
ولم يكن في ربى جيرون جيران
وفي المضائق حراس وسكان
وفي الجزيرة أحباب وإخوان
وفي العشائر أصهار وأختان
بالقدس أواه هل للقدس نسيان
* *
بلق الخيول ومد الظل أفنان
ففي مرابعكم فيء وأكنان
وفي مسارحها للحسن غزلان
إذ كان يملكها أزد وزهران
لكنما حبكم دين وإيمان
* *
وقد أضاءت لها بصرى وحوران
يهيج بالقلب للإسراء عنوان
وهل لنا غيره أس وأركان
والشرق والغرب نيران وصلبان
بشرى الرسول وأمضى وهو عجلان
تنسى الحلوم فلا كنا ولا كانوا ))
والأرض مائدة والبحر طوفان
وإن توعد فالأنسام حسبان
إنفاقه حسبة والعتق إحسان
تقاصرت همم عنها وأزمان
*
فالشام قلب وباقي الملك جثمان
ونشوة النصر في الطغيان طغيان
تصارعت فيه أنوار وأوثان
من النبوات آيات وبرهان
فلتبتهج بسنا الرحمن أكوان
والنور تعلنه في الأرض "فاران"
والخلق ليس لهم رأي ولا شان
حتماً ولو كرهت روم ويونان
فبان أن الملوك القلف قد بانوا
واهتز بالشرفات الشم إيوان
وقال للروم والأرصاد حيطان :
العين نائمة والقلب يقظان
للسيف ظل وللزيتون أغصان
وسائر الناس خدام وولدان
وملكنا ضائع والسعي خسران ))

لو كان للقوم آذان وإذعان
وغلّ أحلامهم كبر وبهتان
فشر وادٍ تردى فيه إنسان
وقال : (( يا قوم إن الحق فرقان
فكيف يوبقنا في الكفر نكران
فالخلق ينتظرون الإنس والجان
على لظى يثرب والشام جنان
أصغى وأبصرها بكم وعميان
توراة موسى وإنجيل وقرآن
جبريل ناموسه والرُّسْل إخوان
أو أن يكون لـه ندٌ وأعوان
حكيمة النمل إذ وافى سليمان
كما حكى صورة بالرسم فنان
نصاً كما يبصر الإنسانَ إنسان
كل الجزائر والأنهار خضعان
وسوف تتحفه بالورد لبنان
أطرافهم ولهم عج وألحان
تسوقها حسبة مصر ومديان
يقتص مما أراقت قبل رومان
إذا ترنم بالتهليل عربان
إذا علوا شرفاً أو لاح علوان
غمر وهم في ظلام الليل رهبان
أنواره فالدجى المبهور وسنان
وهم صفوف لمبداه وفرقان
بنوره محفل الأملاك زهوان
فصار تاج الذرى والدين بنيان
ويصطفي الله مختاراً ونختان
من التعصب إغماط وشنآن ))
* *
لكن تملكهم بغي وأضغان
كذاك أصغت لقول الحبر جولان
غير السقيفة أسمارٌ وبطلان
وقال قولـة نصح وهو لهفان
في الصلح خير وبعض المر حلوان
والترك من جنده والصين أقنان
مهما تقادم أجيال وأزمان ))
أبناء هاجر هم للروم عبدان
ملكاً ولا ملك لي فيكم ولاشان
يحيى بقبلتها روح ووجدان
وحمل نعليه والإنجيل برهان ))

إذ أقبلت لجنود الله فرسان
وشاهدت آيه حمص وبيسان
فاضت بها من روابي الشام شطآن
هوى لنا شهب وانقض عقبان
وهم على الدهم يوم الروع غربان
في النقع إلا جسوم الروم أجفان
سارت بها في فجاج الأرض ركبان
أصحاب بدر وسيف الله أركان
لهم من الذكر أحراز وأحصان
عن كتب أمجادهم والسطر عيان
* *
ضاع الهوى فقد الأحلام هيمان
مراتع العز حيث الملك جذلان
كما قد اغتالها في الدير رهبان
من البطاقة أطلال وعنوان
دنياً إذا فاته دين ورضوان
من مثل ماعاث "قسطنطين" أو جان
والسيف للسيف أكفاء وأقران
لكنما الأمر توفيق وخذلان
كيلا يمن على الإسلام منان
لايستكين لهم حقدٌ وأضغان
* *
والحب يوقده للصب كتمان
واستشرف الفجر أكمام وسيقان
فموكب الشوق للأعراس بستان
هشت لملقاه آكام ووديان
في سكرة الحب والمشتاق نشوان
منه فدى لرسول الله أسنان
يحيى الرسول فقل لي كيف أزدان
وحبذا الجند جند الله من كانوا
إذ للنواقيس في الأرجاء إعلان
وكم سباها من الأحبار خوان ))
ما نالها قط عربيد ودنان
ما سار "اسكندرٌ" أو سن "ساسان"
خص ومزوده ملح وأشنان
تناثرت فيه أشلاء وأكفان
أضاء والشام أدغال وغيران
متاعها عنده زور وبهتان
* *
من حشو بردته علم وإيمان
وكل منطقه در وعقيان
الذكر روح لـه والصوم ريحان
إذا نطقت وزهر الربع آذان
* *
هو الزعيم وهذا الصحب أعوان
فالجو من عبق الفاروق ريان
ومن مهابته في السحب رعدان
فلا يواجهه في الدرب شيطان
طابت بممشاه أعطاف وأردان
العبقرية من سيماه تزدان
وصفاًولو أن هذا البحر ديوان
رأياً فوافقه بالوحي قرآن
وسائر الشام إصغاء وإذعان
فيها من الحق دستور وتبيان
هو اجتماع وإخلاص وإيقان

أفراحه مأتماً تغشاه أحزان
الصوت مختنق والحلق غصان
وهل لذكرى رسول الله سلوان
إذ لوعة الحزن في الأحشاء نيران
السهل مستعبر والسفح حنان
فلا يعلله في الأرض خلان
و" الله أكبر " في الآفاق رنان
نظير يوشع لاروم وكلدان
كما على الطهر أبقاها سليمان
* *
وغالها بعدكم "ليفي" و"دايان"
باع الحطيم بزق الخمر "غبشان"
فهم على الذل أعيار وأنتان
العار مكسبهم والدرب غيان
لكن على قومهم عبس وذبيان
لا يستقيم لهم أمر ولا شان
وهم من الكفر أصناف وألوان
وهم على الشر أنصار وأعوان
ضجت إلى الله أفواه وأوطان
باسم السلام وكم ذلوا وكم هانوا
في لجة التيه إيغال وإمعان
* *
عن الأُلى ذكرهم روح وريحان
ما رام منـزلهم إنس ولا جان
على الجلاميد أمست وهي كثبان
والناس من حولهم للمجد صبيان
تاجاً يرصعه در ومرجان
فالوحي للفطرة الصماء بركان
عم الحضارة إنصاف وعرفان
* *
من التماثيل يونان ورومان
أين المواثيق هل للكفر ميزان
وهم على الظلم والعدوان أخدان
إذ ظل بالشام أديار وصلبان
ولا نجور وإن جاروا وإن خانوا
إذ الفرنجة قطعان وغيلان
روس وصرب وإيطال وأسبان ؟!!
إن الهوى للضمير الحي فتان
إلا علينا فإن الظلم إحسان
فهم على غيرهم بغي وعدوان
روم ولكنهم سمر وسودان
ما أيقنوا أنه للملك أركان
ولا استقر لهم في الأرض عمران
في الجاهلية حالاً كالذي كانوا
"الفرد " نصب وكل الناس سُدّان
ولغوه سنّةٌ والأمر قرآن

والهم في النفس أشتات وأشجان
فالملك عارية والروح قربان
بكل جنب فطاعون وطعان
حُمَّ القضاء وما للقوم أكفان
أنسى بحكمته ما قال لقمان
من آل حاميم أصداء وبنيان
لما اعتنى بكتاب الله عثمان
وما تألق بالترتيل نعمان
"متى" يكذبه "يوحنا" و"سمعان"
والناس للمشرع المورود زلفان
في البر نمل وفي اللجات حيتان
وفي القلوب ينابيع وصلدان
يمده خابر الأديان "سلمان"
والفعل للمقتدى هدى وإحسان
ويرتقي بالتي في نورها غان
* *
أزد وقيس وأنمار وخولان
وللرباط صناديد وفرسان
ورق وما ثملت بالشدو أفنان
فعلَّم الروم أن اليأس سلوان
أرسى السفين كأن البحر قيعان
ما فل عزم ولا وافاه خذلان
وللمنايا أخاديد ٌوخلجان
بساحة الروم نائى الدار ضحيان
إذا تخبطها دنيا وشيطان
أصفى الموارد عزاً وهو نهلان
لانت صخور الرواسي وهو صوان
لم توقد النار إلا وهو يقظان
والغامدي الأبي القرم سفيان
إذا أديرت رحاها فهو طحان
بساحة الروم أهوال وشجعان
وعسها الليل ألا وهي جبان
* *
حتى اعترانا البلى والسعد ظعان
وسنة الله أن الزيغ غشيان
تشكو من الظلم أنحاء وأعيان
فيه الملوك وأثرى منه سلطان
فلفظهم مادح والقلب لعان
تطيعه صورة والسر عصيان
أكلما مات حرب قام مروان
كما لهم ثلمة والله ديان
واستأثروا فبما أمضى سليمان
تذكر الناس بالشورى متى بانوا
* *
تبارك الله عين العدل إنسان
عليه من سمة الفاروق تيجان
كما همى صيِّبٌ يتلوه هتان
روح من الرشد لاحيف وإدهان
إذا تسربلهم نار وقطران
* *
غر وحيناً طواغيت وأوثان
وذاك للرد والإنصاف سهران
ودبر الملك قينات وخصيان
وكم تحكم باسم العلم كهان
بلعام واستخدم الأشراف دهقان
فهل يلام على الإفساد هامان ؟
غيظاً ويحسب أن الصمت إذعان
مرارة الظلم ما للظلم نسيان
والأم ترضعه والثدي لقان
تلطخت فيه أقلام وأذقان
من الشريعة أعلام وأمتان
وبهرج الزيف للأنظار دخان
* *
منذ استبدت برأس الأمر بغدان
أبوابها من جيوش الكفر صلبان
أخنى عليه دهور وهو وسنان
باسم التعصب صديق وشيطان
مما افترى "بطرس" وأفتات " أُربان "

عبء الجهاد فما هانوا ولا لانوا
ليست كما ربها خان وخاقان
هم العماليق خيال وسفان
بل نابهم لهث عنها وإدمان
لما تعاورها روس وشيشان
والروس للغرب كل الغرب أقران
ولا تبالي متى جاءوا ومن كانوا
* *
في السهل عرس وفي الأبراج أحضان
إذ كان لطخها بالرفض رضوان
هداً لكفر العبيديين إذخانوا
وكلها بالعلوج الشقر ملآن
وهو الصدوق وإن لم تعط أيمان
ولا يقر لـه حال ولا شأن
يسومها الفحش دعار ومجان
ما قام للسيف إعمال وإثخان
وإنما رزقه بالوقف دكان
نهارها وهي للإفطار أثمان
والعلم أس وباقي الأمر بنيان
والسحت مهما طغى غبن وخسران
ومنتهى الظلم إدبار وخذلان
في رزقها فهو مكاس ومنان
أقصر ـ لُعنت ـ فخير منك قزمان
* *
أن الرسول أتاه وهونعسان
راما أذاي كما يندس ثعبان
وأحبط المكر فوراً وهو غيران
فالردم من آنك والقطر أركان
لمكرها واقشعرت منه لبنان
* *
لمنبر صاغه تقوى وإيمان
وللمهندس تجديد وإتقان
وما رقاه – على الإطلاق- سحبان
إذ جاز في الشرع للإحسان إعلان
للقدس أواه هل للقدس جيران
ونية الخير بالإنجاز صنوان
إلا بحق وفي الأخبار تبيان
وللكرامات في الأرواح وجدان
لسان صدق وعقبى الذكر رضوان
* *
نعم الخليفة للإسلام معوان
يشدو بها في فضاء الدهر أكوان
وما لنفسك مثل الجند بستان ؟
وكنـزه العين أحمال وأطنان
ولاعقار ولاقصر ولاخان
فيء ووقف وأنفال وسلبان
بالسيف "أرناط" والمنذور عطشان
إن نال عرض رسول الله فتان
فشأنك الدهر غلاب ومنان
فهل تزكى بريطان وألمان
أن الوفاء مع الأنذال خسران؟
* *
وهم إذا قدروا غدر وختلان
أو أبصروا النفط فالقديس قرصان
كلٌّ على الغي سفاح وخوان
وهم إذا عجزوا للسلم حملان
لما تطلع للإسلام بلقان
رغم العداوات أحلاف وأديان
وما عدا ذاك لا تسأل بما دانوا
فالقوم صنفان جزار وتبان
ومن وراء خيال الظل أرسان
كيلا يقال " أصوليون " " أفغان "!!

بغدرهم إذ غزاها منه غزوان
لما تجبر هولاكو وقازان
كأنما أُشعلت في الأرض نيران
بل فر بالخزي نواب وسلطان
دمشق مدرجُهُ والأم حرَّان
كصاحب الغار والردات ألوان
ما يشتهي المجد مغوار وميزان
لمنهج الوحي حفاظ وصوان
كما تهاوى أمام الضيغم الضان
وكل ما أسست للشرك يونان
وللروافض نوَّاح وأنَّان
مثل الشهاب إذا ما ند شيطان
وإن تعمق في المعقول ربان
فلم يقاربه فيما رام إنسان
تفيض منه الروايا وهو ملآن
وفي "الجواب "أعاجيب وبرهان
وفي " البيان " على التعطيل بركان
تحيّر العقل تأويل وتبيان
فقولـه الفصل والمعيار قبّان
وهل يقوم لموج البحر حسبان
* *
إذا تدفق بالإسلام شريان
وشأنها اليوم أحزاب وأديان
وللقرامطة الأنتان سلطان
وللروافض نواب وأعيان
الدهر يعجب والتاريخ سكران
طعم العقاب ولا أصغوا ولا هانوا
وهز نخوتها قهر وعدوان
أليس في صمتنا للرفض عنوان
خانوا الشعوب وهم لله خوان
وهم من الأصل أعيار وأنتان
أبواق من نددوا باللفظ أو دانوا
يقيء منها على الإعلام أذهان
الشجب فالأمر تهويد وإذعان
إذا تخبط "رابين "و "كاهان "
وشيكل النحس للبترول أثمان
بئس الشعارات إلحاد وكفران
والناس صنفان ثوار وثيران
فللأقانيم أشكال وألوان
وحسبهم إن إحداها "حزيران"
من اليهود وهم في السهل ما بانوا
والساقطون هم الحكام إذ خانوا
عند النـزال ولاهم للحمى صانوا
يغار إبليس منها وهو فتان
إذ لا مكان لـه والقوم جيران
* *
وربما زاغ طرف وهو يقظان
كيف انطوى فهو أطمار وخلقان
فإنما هي أطياف وأطيان
(( لكل شيء إذا ما تم نقصان))
أو لم تجد فاستدن فالصب يدّان
لولا المدامع ما بروا ولا مانوا
فنحن في القيد أقران وإخوان
يلهو بمغناه دجال وزفان
فهل لـه آخر بالفجر مزدان
يزفه مورد بالعز ريان
وتنضب الروح والمشتاق ولهان
* *
مهما تناوب للأرزاء حدثان
والثأر جرح فإعصار فطوفان
وصل ولا يعتريه الدهر سلوان
لكن تكنفها قهر وطغيان
هم الأخلاء إن حلوا وإن بانوا
إذا (ألـمَّ بدين الله ) عدوان
ففي رحابك فسطاط وميدان
ونمتطي البحر نصوا وهو هيجان
وللمنايا كلاليب وأشطان
ونعتلي الريح والأجواء نيران
حينا وقد شهدت بالنصر أحيان
أللمشاعر حراس وخزان ؟!

فليزعموا أن هذا القلب أوطان
متى اعترفنا بهم ؟! هل نحن قطعان
فلا تفرقنا قيس وقحطان
للمستهام وبعض العتب غفران
منا على البعد أكباد وأجفان
ما شئت من موثق وليشهد البان
~ ~ ~ ~ ~ ~ يا شام هل يحجز الأشواق قضبان ؟
قد استوينا فكل رهن محبسه
لنا إذا هبت الأنسام لاعجة
يغشى الأسى ناظرينا كلما ومضت
إذا تألق في عليائها أملٌ
لا عتب أن فرقتنا للنوى سبل
وهكذا تنضب الأرواح نازفة
لم يبق إلا صبابات نجاذبها
نباكر الغم في الإصباح متقداً
تطير أرواحنا شوقاً ولو قدرت
أنتم ندامى الهوى ما للهوى بدل
لسنا من الحب في شيء لو انصرفت
نسلو الحياة ولا نسلو تذكركم
وحسبكم أنكم في القلب مسكنكم
عسى تراسل أشواق يعللنا
أواصر الحب كل الحب تجمعنا
[ إما سألت فإنا معشر نجب
وكل ناعورة بالشام نادبة
* *
الله أكبر ! هذا الظلم فرقنا
كأنه لم يكن بالمرج مرتعنا
ولم يكن في الثغور الغر مرصدنا
وفي السواحل نيران وأربطة
وفي المدائن أنساب مؤلفة
وأعذب الحب ما كانت موارده
* *
يا شام يا معقل الإسلام ما ركضت
إذا تضاءل هذا الحب عن بلد
تالله ما الغوطة الغناء منيتنا
ولا رسوم لأجداد بساحتكم
ولا صبا بردى يسبي مشاعرنا
* *
من البراق أصول الحبّ قد بزغت
إذا سرى الطيف منكم وانثنى سحراً
لله حب رسول الله أسسه
وقام من بعده الصديق يورده
بعزمةٍ عقد الرايات مرتقباً
وقال : (( إن لم نبادرهم بمعمعة
والدهر ما عزم الصديق مرتجف
إذا تحنن فالإعصار مرحمة
يعطي وليس لمخلوق عليه يد
دع ليلة الغار فالقرآن خلدها
* *
والروم قد أثخنت في الفرس عن حنق
حلاوة النصر لازالت تداعبها
لكن قلب هرقل واهن وجل
لديه من سابق الأخبار عن سلفٍ
شمس الرسالة هذا حين مطلعها
"ساعير" و"الطور" للإسلام تقدمةٌ
والله يختار مما شاء مرسله
والملك في فرع إسماعيل منتقل
ملك الختان بدا في الأفق شاهده
وأخمدت نار كسرى حين مشرقه
تلا كتاب رسول الله في أدب
(( هذا الرسول الذي كنا نؤمله
وهذه الشام للمبعوث عاصمة
إن اتبعناه فالدنيا لنا تبع
وإن أبينا فأمر الله غالبنا

نعمْ ! "هرقلُ" لقد أسمعتَ ذا صمم
أبت بطارقة الرومان موعظة
والكبر ما كان في طياته حسد
إلا "ضغاطر " إن الله أكرمه
محمد نحن في الأسفار نعرفه
تواترت عندنا أنباء بعثته
لولاه ما هاجر الأحبار واصطبروا
وللنبوة أعلام إذا نشرت
وحي يصدق بعضاً بعضه أبداً
والحق أولـه مهد لآخره
تقدس الله أن يدعى لـه ولد
وكلكم عارف ما قلت فاتبعوا
فأشعياء حكى أوصاف طلعته
ودانيال فقد جاءت نبوته
وفي المزامير يأتي أحمد فإذا
وسوف تُخدِمه أقيالَها سبأ
ويهرع الناس نحو البيت عارية
تهدى إليه قرابين مقلدة
وفي شكيم لـه جيش ذوو غرر
وأرض بابل يعنو سحرها هلعاً
هم أمة الحمد والتكبير ديدنهم
وفي النهار ليوث لا يساورها
هذا هو الملكوت الحق قد بزغت
كأنني أبصر الأملاك تحمله
وذا المبارك باسم الرب مقدمه
تمت على الحجر المرفوض نعمته
أيخفض الله بنياناً ونرفعه؟
ويبتلي الله تقوانا فيلبسها
* *
فمزقوه وقد كان الإمام لهم
كانت دمشق ترى هذا وتسمعه
وكل مؤتمر في أي محتضر
بكى هرقل ولكن كان ذا جلد
(( يا أيها الروم إن لم تسلموا فلنا
وملك أحمد حد الشمس مبلغه
وسوف تسجد روما وهي صاغرة
قالوا : أندفع للأعراب جزيتنا
فقال : (( يا ليتني عبدٌ لأعسفهم
وكنت ألثم من خير الورى قدماً
وقد تمنى مسيح الله خدمته
* *
ثم انثنى من وراء الدرب مكتئباً
وكان ما كان مما الدهر سجله
ملاحم الحق واليرموك رايتها
وكلما أوقد الرومان ملحمة
جئنا صقوراً على شقر مضمرة
قد انتضينا سيوف الحق ليس لها
وللبطولات أصداء مزلزلة
فما تظن بجيش في ذؤابته
ملائك الله بالإرعاب تنصرهم
تمضي القرون ونون الدهر عاجزة
* *
ودِّعْ - هرقلُ - وداعاً لا لقاء لـه
ودع على حسرة ما كنت تعشقه
غال الحقيقة قوم أُترعوا بطراً
فاقنع بمشطور ملك الروم ما بقيت
ومن يعظم رسول الله يجز بـه
والحمد لله صان الله ملتنا
وأورث الله أرض الأنبياء لنا
والروم ما شئت من رأي ومن عدد
وإنما خذل الرحمن مجمعهم
وكي يظلوا عدوا دائمًا أبداً
* *
والشام بالشوق قد أخفت شماتتها
يا شام قد لاحت البشرى على ظمأ
حان اللقاء فتيهي وارقصي جذلاً
أبو عبيدة والتقوى تجلله
وعانقته دمشق وهي غارقة
قالت : ((ألا أرتوي من مبسم سقطت
هذا العفاف وهذا الزهد أذكرني
يا حبذا النور نور الله يغمرني
هذا الحواري لاما كنت أحسبه
هذا الأمين كنوز الأرض تطلبه
والزهد في الفاتحين الغر منقبة
سل الفتوح التي كانت شريعتها
يا من وساد ته ترس ومسكنه
ما الشام قبلك إلا مقبر خربٌ
نور من الرحمة المهداة مقتبس
إذا تزينت الدنيا بكى فرقاً

رديفه سيد الفتيان قاطبة
أغر أبيض يحكي البرق مبسمه
الذاكر الله إن قاموا وإن هجعوا
قل يا معاذ فأبنائي تلامذة
* *
وهامت الشام شوقاً أن ترى عمراً
يا شام قد أقبل الفاروق فابتهجي
والأرض تهتز رعباً من جلالته
سكينة الحق تعلو وجهه أبداً
وأينما سار في مغناك موكبه
محدَّث ملهمٌ جمٌّ مناقبه
أستغفر الله هل شعري يحيط به
وهو الذي طالما جادت فراسته
يا حظ "جابية" بالركب قد شرفت
هنالك ارتجل الفاروق رائعةً
جلَّى من الخطة البيضاء منهجها
* *
وفجأة ضج هذا العرس وانقلبت
نادى بلال فأبكى الشام قاطبة
أثار ذكرى رسول الله فانتحبت
لم يستطع لاسمه لفظاً وحق لـه
فتلك أصداؤه في الشام ما سكنت
من كان في الملأ الأعلى أحبته
رمضاء مكة تتلو بعده "أحد"
وصخرة القدس تدري أن فارسها
لما تسلمها الفاروق طهرها
* *
يا فاتح القدس إن القدس قد سلبت
وباعها الزمرة المستسلمون كما
الله والناس والتاريخ يلعنهم
لا دينَ لا غيرةٌ لا عقلَ لا رشدٌ
على اليهود هم الأغمار خانعة
الخزي والخسر والشحناء ديدنهم
محض العداوة للإسلام يجمعهم
ولا تراهم على خير قد اتفقوا
مما أراقوا ومما أهدروا وطغوا
كل القداسات داسوها بأرجلهم
حادوا عن الرشد قصداً واستبد بهم
* *
أعفّ عن ذكرهم إذ نحن في سمر
صحابة المصطفى خير الورى أثراً
لهم أحاديث في الإخلاص لو قرئت
لو لا الرسول لما كانوا أساتذة
هم زينة الدهر والتاريخ يلبسهم
لولا الرسول لما كانوا عباقرة
هم الهداة الأُلى من نور حكمتهم
* *
إن الحضارة روح ليس ما نحتت
أين التسامح أين العدل إن صدقوا
تلك الشعارات زيف يخدعون به
أين المآذن في أرجاء أندلس
إنا على العهد لانختان ذمتنا
منّا تعلَّمتِ الدنيا كرامتها
متى رعوا حرمة أو راقبوا ذمماً
العدل في القول والأحكام شرعتنا
هم أمنع الناس من ظلم الملوك لهم
وإن تر الروم فيما بينهم عدلوا
فانظر لأذنابهم في الشرق إن حكموا
وإنما اقتبسوا من ضوء سيرتنا
لولا المساواة والشورى لما غلبوا
ونحن لما انحرفنا صار حاضرنا
نقدس "الفرد " أياً كان منهجه
فدينهم دينه والشرع شرعته
* *
يا شام معذرة زاغ الحديث بنا
أكْرِمْ بقوم شروا لله أنفسهم
نالوا الشهادة إذ قامت وسائلها
في المرج رهط وفي عَمْواس طائفة
ما مات قوم أبو الدرداء خَالِفُهم
سل قلعة النصر والإصرار هل بقيت
إذ جاء من طيبة الغراء مصحفها
الله يجزيه خيراً ما سمى أحد
لولاه كنا كأهل الدير إن قرأوا
هذا الحكيم أبو الدرداء يقرئه
معلم الخير بالإحسان يذكره
بكت دمشق زماناً من مواعظه
وإن ألمت به في الرأي معضلة
القول إن قال أمثال مصرفة
يجلو قلوبا ًيغشِّى الران رونقها
* *
والتابعون من الآفاق قد وفدوا
فللجوامع أحبار محلقة
حياك يا أمة التوحيد ما طربت
ولى هرقل وولاها معاوية
الحلم شيمته والغزو همته
ما بين شاتية تغدو وصائفة
والصافنات أبو أيوب يزجرها
يا أشرف الصحب داراً طاب مضطجعٌ
جعلته معلماً يذكي عزائمنا
ثم انبرى الخثعمي الشهم يوردها
لله هذا الفتى ما كان أعظمه
ستون عاماً قضاها في مرابطه
وفي جنادة للأعداء مأسدة
وهل رأيت حبيباً حبه لهب
يا شام ساء صباح الروم قد نزلت
ما أصبحت بالكماة الشم مترعة
* *
وظل ديدننا هذا وديدنهم
هنا استبدت بنور الحق غاشية
ومن يزيد إلى الحجاج ما فتئت
والظلم شؤم وشر الظلم ما ولغت
والناس إن بايعوا والسيف يخفقهم
والناس تخدع من بالزيف يخدعها
والكسروية في الإسلام محدثة
وفي أمية للإسلام مأثرة
إن كفَّر الله عنهم بعض ماعقدوا
لكن للعدل كرات وإن ندرت
* *
وكان أول وعد صادق عمراً
الراشد الماجد الميمون طائره
فاعجب له عمراً يقفو خطى عمر
يا واعظاً وعظ الدنيا بسيرته
والظالمون لهم يوم سيفجؤهم

تاريخنا هكذا حيناً عمالقة
هذا يبيت ثقيلاًمن مظالمها
وكم توثب فينا ثعلب خَتِلٌ
وكم تحكم باسم الدين طاغية
وكم رأيت دعاة الحق يقذفهم
إذا تأله فرعونٌ على ملأ
وأغفل الناس من تغلي رعيته
والناس ينسون إلا من يجرعهم
يدسه الجد للأحفاد مستعراً
إذا الفراعين سنوا الظلم فلسفة
باسم السياسة حل الظلم بل نسخت
الرعب يستلب الأحلام يقظتها
* *
ومرَّ دهر ودنيا الشام خاملة
حتى اقتضت سنة الرحمن أن طرقت
وما الفرنجة إلا معشر همج
والدين للناس مفتاح يحركه
وربما اعتذر الشيطان ـ سيدهم ـ
* *
والترك لما تخلى العرب قد ورثوا
شجاعة الترك بالإسلام قد زكيت
هم المغاوير لا ريث ولا وجل
لا ترتوي من دماء الروم أنفسهم
فإن شككت فسل عنهم عطارفة
هم وحدهم قد أذاقوا الروس ملحمة
والشام أبطالها من حاط ساحتها
* *
وهكذا جاء نور الدين فابتهجت
أتى إلى حلب الشهباء ينقذها
وجاء بالسنة الغراء يبعثها
خمسون حصناً بحد السيف حررها
قد عاهد الله أيماناً مغلظة
ألا يرى ساعة في الدهر مبتسماً
مادام في حوزة الكفار مسلمة
ولا يظلله سقف ولا كنف
ما نال من بيت مال المسلمين يداً
وزوجه تنسج الأستار صائمة
دار الحديث بناها فهي سامقة
ألغى المكوس وأقصى من تأولها
والعدل والنصر مصفودان في قرن
شر الملوك الذي يختان أمته
قل للمرائي بلا جهد ولانصب
* *
وحسب محمود الأواب مفخرة
وقال شأنك والعلجين إنهما
فجاء طيبة يحدو العيس جاهدة
وحاط أطهر رمسٍ من قواعده
تباً لروما فقد شابت ذرى أحدٍ
* *
واعجب وإن شئت قل لي كله عجب
عشرون عاماً ونورالدين يحمله
من العراق إلى الأعماق يصحبه
والجيش يسأل هذا ما يراد به ؟
وإنما كان نذراً لايبوح به
قد رام أمراً فكان الموت سابقه
وهذه الأمة العصماء ما شهدت
باسم الشهيد لنور الدين قد لهجت
ومن أتى الله بالإخلاص أورثه
* *
مرحى فهذا صلاح الدين ينجزه
أقام حطين في التاريخ ملحمة
يا فارس القدس أرض الفتح تُقْطِعُها
كم مات من هو أدنى منك مملكة
وأنت ترحل لا كنـز ولا نشب
المال كالعمر في درب الجهاد مضى
نفسي فداء يمين منك قد فلقت
لو افتدى بكنوز الأرض ما قُبلت
أسرت أقيال أوربا وتعتقهم
أخلاقكم هزمتهم قبل رايتكم
لايُبعد الله عكا إنها شهدت
* *
إذا قدرنا فإن الصفح شيمتنا
وحيثما لاح في أرجائها ذهب
"غورو" و"ريموند" و "اللنبي" وصاحبه
قوم تراهم وحوش الحرب ما غلبوا
ألا تراهم وقد قامت قيامتهم
خاطوا الأحابيل باسم السلم واجتمعت
لادين للغرب إلا حرب ملتنا
يأبى السلاح ويعطي القوت تعمية
وهيئة الأمم النكراء مسرحهم
ونحن نشكو إلى الجزار خادمه
* *
الشام أكثر أرض الله معرفة
ومثلهم ما تغشى الشام من محن
وأقبل الجحفل الجرار من تتر
ولم تر الشام من يحمي محارمها
فقام بالأمر حبر الدهر أجمعه
قام ابن تيمية في نصر ملتنا
ما شاءت الشام من سيف ومن قلم
الجهبذ البارع الماضي مهنُده
الفلسفات تهاوت عند صولته
وحطم المنطق المفتون ناظره
وللنصارى صراخ عند جولته
وللتصوف أرصاد مسننة
إذا تأنق في المنقول مجتهد
كم جاء من بعده في العلم من علم
والكل من بحره الزخار مغترف
"درء التعارض" و"المنهاج" شاهدة
وفي الفتاوى كنوز طاب معدنها
وفهمه في كتاب الله معجزة
والفقه بالحجة البيضاء حرره
ماذا تُعدِّد من جُلَّى مناقبه

وهكذا الشام ما شاخت ولا عقمت
عهدي بها وعرى التوحيد تجمعها
فللنصارى حكومات وألوية
وللدروز بروز في محافلها
أما اليهود فقل عنهم ولا حرج
لولا حجارة أرض الطهر ما عرفوا
ثارت تزمجر والتكبير يرفعها
هَبْ الحكومات بالإرهاب تخنقها
ربائب الروم بالقومية استتروا
يشكون بالذل مما سامهم "نتن "
كم أضجر الناس عهد الشجب كم لعنوا
وللبيانات أسجاع مكررة
ثم انتكسنا فلاشجب ولاأمل في
أستغفرالله بل شجب وولولة
وأصبح الهيكل الموهوم كعبتهم
والبعث لابعث بل خسف ومهلكة
الكفر محكمة التفتيش تحرسه
قامت على نحلة التثليث دعوتهم
سودٌ خياناتهم حمرٌ جناياتهم
فروا وهم في ذرى الجولان – يا عجباً -
وأعلنوا أنها في يومها سقطت
لم يسكتوا وضباب الرعب يغمرهم
وللعمائم تطبيل وبهرجة
وربما أخَّر الدجال مخرجه
* *
أهذه الشام أم عيناك زائغة
وشْيٌ بديع كسوناه حضارتنا
فانفض يديك من الدنيا وزينتها
واتل الرثاء على الأطلال مفتتحاً
مهما غلا الدمع فالمأساة ترخصه
أهل الصبابة دعواهم مُزَوَّقة
واعجب لنا كيف صار الضيم يجمعنا
وانظر إلى موطن الأبدال مرتهناً
يقول يارب هذا الليل أثقلني
وهل إلى رمق بالبشر معتنق
أو تنقضي هذه الأحشاء ذاوية
* *
لا، ليس لليأس درب في مشاعرنا
بقية السيف بالأبطال ممرعة
وللبطولة عشق لا يبدده
وللعقيدة آساد مشمرة
هم الأحبة إن زاروا وإن هجروا
أرض البطولات يا اسمى معاقلنا
ذات القرون إذا حانت ملاحمها
نجوز تيه الفيافي كي ننازلها
ونركب الخيل عريا وهي حانقة
نقارع الموت والأهوال محدقة
أتعجبين لأن الكفر أوثقتنا
أم تجزعين لأن الظلم فرقنا
هذي الحدود رماح في محاجرنا
من وقعوا "سايكس بيكو" وإخوتها
الحمد لله حبل الله يجمعنا
أم تعتبين فبعض الصفح موجدة
والله لا نستقيل الحب ما برحت
فليكتب الأرز ولتملل ضمائرنا
~ ~ ~ ~ ~ ~