ومنهم عبيد الله بن الحر الجعفي، وجابر الجعفي. "
ـ "جُحْفة : موضع بين مكة والمدينة، وهي ميقات أهل الشأم، وكان اسمها مَهيَعة، فأجحف السيلُ بأهلها، فسميت جُحفة. "
625 ـ اختصار الشواهد:
والنوع الآخر من المعلومات التي عمد الرازي إلى اختصارها هو الشواهد. ونعني بالشاهد نصا قصيرا، حقيقيا أو موضوعا، يرد فيه اللفظ المراد تعريفه. وقد استخدم المعجميون العرب الشواهدَ لأغراض متعددة أهمها:
1ـ إثبات وجود الكلمة في اللغة العربية، بدليل ورودها في بيت شعري أو مثل سائر أو قول مأثور أو نحوه.
2ـ توضيح معنى الكلمة، لأن السياق يساعد على تحديد معنى اللفظ الوارد فيه.
3ـ مساعدة القارئ على الوقوف على سلوك اللفظ النحوي عندما يستعل في نص حيّ.
إضافة إلى أن الشاهد المقتبس من القرآن الكريم أو الحديث الشريف أو كبار الشعراء والأدباء يلقي أضواء كاشفة على الثقافة العربية ويثير اهتمام القارئ.
ولكن المعجميين العرب أكثروا من الشواهد أو استطردوا فيها بحيث اضطروا في أحيان كثيرة إلى شرح معنى الشاهد كله أو بعضه، لأن الشاهد أصعب من اللفظ المطلوب فهمه. ومن الأمثلة على ذلك ما مرّ علينا في الفقرة 624 حين اضطر الجوهري إلى شرح الشاهد الذي أورده من شعر لبيد.
وقد تعامل الرازي مع شواهد الصحاح بطرائق أربع:
أولا، الإبقاء على الشاهد القصير المفيد. مثلا، في مادة (س م ع ):
ـ" السَّمْع : سمع الإنسان، يكون واحدا وجمعا، كقوله تعالى: ( ختم الله على قلوبهم وسمعهم)، لأنه في الأصل مصدر قولك:سمعتُ الشيءَ سَمعا وسَماعا. وقد يجمع على (أسماع). وجمع الأسماع ( أسامع).."
ثانيا، اختصار الشاهد بالإبقاء على الجزء المناسب منه. مثلا، في مادة ( ع ص م) ورد في الصحاح :
"وفي المثل: (كن عصاميا ولا تكن عظاميا) يريدون به قوله:
نفسُ عصامٍ سودت عصاما
وعلّمته الكـرَّ والإقـداما
وصيّرته ملكا همـــاما..."
أما الرازي فقد اكتفى بإيراد الشاهد على الوجه التالي:
نفس عصام سودت عصاما وعلمته الكرّ والإقداما
وكان بإمكانه، طبعا، أن يقتصر على الشطر الأول فقط، ولكنه آثر أن يحتفظ بالبيت كله لأن الوزن والقافية يسهلان حفظه؛ فالتقصير لا يؤدي دائما إلى التيسير.
ثالثا، إذا ذكر الجوهري عدة شواهد لمدخل واحد، فقد يكتفي الرازي بشاهد واحد منها.
ومن الأمثلة على ذلك مدخل (الغرام) الذي ورد في الصحاح على الوجه التالي:
ـ "ابن الأعرابي: الغرام: الشرّ الدائم والعذاب. قال بشر:
ويومُ النِسار ويومُ الجفارِ كانا عذابا وكانا غراما
وقال الأعشى:
إن يُعاقِب يكنْ غراما، وإن يُعـ ـطِ جزيلا، فإنه لا يُبالي
وقوله تعالى: ( إن عذابها كان غراما). قال أبو عبيدة: أي هلاكا ولزاما لهم. قال: ومنه رجل مُغرم لحب حبّ النساء. ومنه قولهم: رجل مُغرم من الغُرم والدَين..."
في هذا المدخل من معجم الصحاح ، نجد أن الجوهري أتى بثلاثة شواهد، اثنين من الشعر وواحد من القرآن الكريم. أما الرازي فقد اكتفى بشاهد واحد للاختصار، فاختار الشاهد القرآني، وهو أوضح الثلاثة وأبسطها، لأنه يفسر نفسه بنفسه، وجاء المدخل في مختار الصحاح على الوجه التالي:
ـ الغرام : الشر الدائم والعذاب. وقوله تعالى: ( إن عذابها كان غراما)، قال أبو عبيدة: أي هلاكا ولزاما له. قال: ومنه رجل مُغرَم: يحب النساء، ورجل مُغرَم : من الغُرم والدَين."
رابعا، حذف الشاهد بأكمله، إذا ما شعر الرازي أنه لا حاجة له أو أنه لا يخدم الغرض الذي استخدم من أجله. ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في مادة ( ر ق ع) في الصحاح:
"واسترقع الثوبُ : حان له أن يُرقَع. وأما قول أبي الأسود الدؤلي:
أبى القلبُ إلا أمَّ عمرٍو وحبَّها عجوزاً، ومَن يُحبب عجوزاً يُفنّدِ
كثوب اليماني قد تقادم عهدُه ورُقْعَتُهُ ما شئتَ في العينِ واليدِ
فإنما عني به أصله وجوهره."
أما في مختار الصحاح فنجد المدخل على الوجه التالي:
" استرقعَ الثوبُ: حان له أن يُرقَع."
لأن الشاهد الذي ورد في الصحاح لا يتعلق بـ "استرقعَ " بل بـ " رُقْعة".
626ـ حذف المصادر والمراجع :
تقتضي الأمانة العلمية ومتطلبات تيسير البحث العلمي أن يذكر المعجمي مصادره، وهذا ما دأب عليه الجوهري في المواد التي سمعها من شيوخه أو نقلها من معاجم أخرى ولم يجمعها بنفسه من الأعراب الذين شافههم في البادية. ولهذا نجد الصحاح مليئا بعبارات مثل: "قال أبو عبيدة:" و "أنشدنا أبو عمرو:" و " ابن الأعرابي أو قال ابن الأعرابي:" و" لم يعرفه أبو سعيد" و " أبو زيد:" و " قال الفراء: ".
أما الرازي فقد حذف كثيرا من هذه المصادر، لأن ما يحتاج إليه مستعمل معجمه الوجيز، مختار الصحاح، هو معنى الكلمة والمعلومات المتعلقة بها وليس اسم اللغوي الذي استقيت منه تلك المعلومات. وهذا يذكرنا بمقولة الإمام علي بن أبي طالب: " لا تنظر إلى مَن قال بل أنظر إلى ما قال." ومن أراد الوقوف على المصادر الأصلية يستطيع مراجعة الصحاح.
ومن الأمثلة على حذف الرازي للمصادر حذفه لعبارة "ابن الأعرابي:" التي ذكرناها في النقطة الثالثة من الفقرة 625.
700 ـ الخاتمة:
في هذه الورقة الموجزة لخّصنا الطرائق التي استخدمها الرازي في اختصار معجم الصحاح، وهي طرائق تقوم على تخطيط محكم وأسس علمية جعلت من معجم مختار الصحاح أشهر مختصرات الصحاح وأيسرها، ومكّنته من التفوق على جميع المختصرات الأخرى حتى تلك التي أنجزها علماء مشهود لهم بالمعرفة والخبرة مثل محمود الزنجاني (573ـ656 هـ) وخليل بن أيبك الصفدي (696-764 هـ) وغيرهما.
الهوامــش
(1) لخليل بن أحمد، كتاب العين ، تحقيق د. مهدي المخزومي و د. إبراهيم السامرائي ( بغداد: دار الرشيد للنشر، 1980) ج 1، ص 47، من مقدمة الخليل.
(2) ياقوت، معجم الأدباء ( بيروت: دار الفكر، 1980) ج 6، ص 151-152.
(3) إسماعيل بن حماد الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار (بيروت: دار العلم للملايين) ج 1 ص 33.
(4) علي بن أبي الحسن الباخرزي، دمية القصر وعصر أهل العصر، نقلا عن مقدمة المرجع السابق ص 112.
(5) عبد الملك الثعالبي، يتيمة الدهر، تحقيق مفيد محمد قمحية ( بيروت: دار الكتب العلمية، 1983) ج 4، ص 468 .
(6) اسماعيل بن حماد الجوهري، مرجع سابق، المقدمة ص 154-212
(7) محمد بن أبي بكر الرازي، تفسير الرازي، تحقيق محمد رضوان الداية (بيروت: دار الفكر، 1990)
(
المرجع السابق، ص 9.
(9) من الأمثلة غير الموفقة على اختصار المعاجم، المعجم العربي الميسر ( تونس: الألكسو، 1991)، المستخلص أساسا من المعجم العربي الأساسي. فقد حذف المكلفون بإعداده كثيرا من المعلومات الأساسية الموجودة في المعجم الأصلي، بما في ذلك أسماء اللغويين العرب الذين ألفوه.
(10) محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح ( القاهرة: المطبعة الأميرية، 1922) المقدمة.
(11) المرجع السابق
(12) المرجع السابق
(13) المرجع السابق
(14) للوقوف على الفروق بين المعجم والموسوعة، انظر: علي القاسمي، علم اللغة وصناعة المعجم ( الرياض: جامعة الملك سعود، ط2: 1991) ص 43-44.