المصطلح العلمي ومجاله الاستعمالي
في المعجم العربي المعاصر
د. الجيلالـي حـلام (*)
من المعلومات الثقافية التي يحرص المعجم اللغوي المعاصر على توفيرها، تحديد المجالات الاستعمالية للدلالات الاصطلاحية.
والاصطلاح كما يعرّفه الشريف الجرجاني (816هـ/1413م) : (إخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر لمناسبة بينهما. وقيل: الاصطلاح: اتّفاق طائفة على وضع اللفظ بإزاء معنى..)(1).
وهذا يعني أن المصطلح: (Le Terme) كلمة اكتسبت دلالة خاصة، في مجال من المجالات العلمية أو الفنية أو الثقافية، لدى طائفة من المتخصّصين في حقل من الحقول، وبذلك يحتاج إلى تعيين وتعريف خاص به، يصفه كمفهوم ويميّزه عن غيره من المفاهيم داخل المجال المستعمل فيه(2).
ويبدو أن المعاجم العربية -اللغوية بخاصة- لم تول أهمية كبيرة لهذه القضية إلا منذ وقت قصير نسبيا، فما زال تصنيف العلوم وضبط مجالات الاستعمال محدودين في المعاجم العربية المعاصرة، كما سيتّضح لنا ذلك في الصفات التالية.
لقد ظلّت المعاجم العربية القديمة متحفّظة في هذا الإطار، ولعلّ الفيروزآبادي (817هـ/1414م) في معجمه القاموس المحيط، يمثل أول محاولة في تجاوز الدلالات اللغوية وتسجيل نسبة كبيرة من المصطلحات العلمية والفنية. وليس هذا معناه أن المعاجم العربية القديمة عامة لم تكن تدرك أهمية المصطلح، فقد نبّه الخوارزمي الكاتب (387هـ/997م)، صاحب مفاتيح العلوم(3) إلى هذه القضية منذ أواخر القرن الرابع الهجري؛ وإنما القصد هو أنها كانت تفصّل في معاجم مختصة، ولا تدرج ضمن المعاجم اللغوية. وهذا لا يعني أيضا أنّنا نطالب المعجم اللغوي بترصّد جميع المصطلحات الأكثر خصوصية، فنحمّله فوق طاقته ونبعده عن هدفه اللغوي، وإنما المطلوب هو أن يترصّد أهمّها من ذوات التداول الواسع بين الناس، متبوعة بتعاريف موجزة تناسب هدفه، مؤكدا ذلك بالتنصيص على المجال أو الحقل المعرفي الذي ينتمي إليه المصطلح.
ويعتبر تحديد مجال الاستعمال في المعاجم اللغوية ضرورة منهجية ويمثل جزءا لا يتجزأ من التعريف، وبخاصة من حيث ترتيب الدلالات وتقريب الفهم وتسهيل عملية الإدراك. ويتجلّى ذلك في المشتركات اللفظية أكثر، كما يتّضح من النموذج التالي:
ترشيح
مصدر رشّح ] في السياسة [
تقدم الشخص للانتخابات أو الاستفتاء
تهييء الشيء وإعداده أو لشغل وظيفة أو منصب
ليتم اختياره أو عدمه.
] في الكيمياء [
عملية تمرير السوائل عبر مسامات ] في البلاغة [
موجودة في مادة لفصل ذكر ما يلازم المشبه به في
الشوائب العالقة بها. الاستعارة.
تحديد المجال في المعاجم العربية المعاصرة:
إن استقراء المعاجم العربية المعاصرة، من حيث تحديد مجالات الاستعمال، وضبط رموزها، يوقفنا على أن هناك تفاوتا واضحا بينها في استثمار هذه التقنية. ويتجلّى هذا التفاوت سواء على مستوى ضبط المجال من خلال التعاريف أو على مستوى صياغة الرموز الخاصة بذلك، والإشارة إليها في مقدمة المعجم.
وتوضيحا لهذه المسألة نقدّم النماذج التالية:
أ) المنجد في اللغة4)
- الرّشح: (طب) انصباب مادة نخامية، تسيل الرقيقة منها من الأنف وتحدث زكاماً.
- النقطة: في الهندسة: ما كانت أطوالها منعدمة.
- الجبر: علم من العلوم الرياضياتية، تستخرج به المجهولات باستخدام حروف وعلامات مشهورة.
ب) الوسيط5)
- الرّقابة: (في الاقتصاد السياسي) تدخّل الحكومة أو البنوك المركزية في سعر الصرف، وتسمّى : رقابة الصرف (مج).
- المدبّج: (في مصطلح الحديث) رواية الأقران سنّا وسندا.
جـ) المعجم العربي الحديث6)
- الترشيح (بد): التقوية بما لا يلائم المعنى المقصود و هو أنواع، التشبيه والمجاز والاستعارة.
- التكعيب : (ريـ): التربيع ( ** )
د) القاموس الجديد: (7)
- ضرب : والضرب في الحساب هو تكرار عدد مّا مرات بقدرما في عدد آخر من الوحدات.
- تقسيم : عند الموسيقيين هو أن يعزف أحدهم قطعة موسيقية على آلة طرب واحدة.
هـ) المحيط(
- السوادية: في علم الزراعة، فطر السواد، وهو جنس نباتات مجهرية طفيلية من فصيلة السواديات ورتبة الفطور...
- السوداء: في الموسيقى، علامة قيمتها ربع قيمة العلامة المستديرة.
و) الأساسي(9):
- تنغيم : ] في علم الأصوات [ توالي درجات صوتية مختلفة، أثناء النطق مثل اختلاف التنغيم في عبارة " لا يا شيخ ".
- تخارج : ] في الفلسفة [ علامة منطقية بين كلمتين أو صفتين ليس بينهما عامل مشترك، عكسه تداخل. وإذا تمعنّا في النماذج المذكورة وغيرها، اتضح لنا أنّ المعاجم العربية المعاصرة تتباين في استثمار مجالات الاستعمال، وأمكننا التمييز بين مجموعتين:
1 - مجموعة تذكر المجال ضمن التعريف، في عبارة محصورة بين قوسين عاديين أو معقوفين، أو تنصّ على ذلك مباشرة، ويمثل هذه المجموعة كلّ من الوسيط والأساسي والمحيط.
2 - مجموعة تنصّ على المجال برموز خاصة كما في المنجد والمعجم العربي الحديث.
ومن الملاحظات التي يمكننا إثباتها في هذا الصدد، أن المعاجم العربية المعاصرة عامة، لا تقوم في توزيعها لهذه المجالات وفق خطّة مدروسة مبنية على أساس منطق تصنيف العلوم والفنون ضمن مجالات معيّنة، مما أدّى إلى إهمال الإشارة إلى كثير من المجالات، وعدم الالتزام بالنصّ عليها في كلّ الحالات.
فقد نجد نوعا من الالتزام كما في الوسيط والحديث والأساسي والمحيط، وقد تأتي الإشارة إليها عرضا فقط، أو في حالات خاصة كما في المنجد والقاموس الجديد.
وبموازنة الرموز المستخدمة في كلّ من المنجد والمعجم العربي الحديث، نجد الأول يثبت 20 رمزا والثاني 22 رمزا، علما بأن مجالات العلوم والفنون الأكثر تداولا في المعاجم المعاصرة تتجاوز المائة. وعند مقارنة الرموز والمختصرات المثبة في المعجمين من حيث التوحيد - كما يتّضح من الجدول ] ي/1 [- نجدهما لا يتّفقان سوى في تسعة مجالات هي: (الطب، الحساب، الفلك، النبات، الكيمياء، الموسيقى، الهندسة، الحيوان، الفيزياء)، بحيث ينفرد المنجد بـ 11 مجالا، والحديث بـ 13 مجالا آخر.